سورة الأنبياء - تفسير تفسير الشعراوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنبياء)


        


{وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ(19)}
سبق أن أخبر الحق سبحانه أنه خلق السماء والأرض وما بينهما، وهذا ظَرْف، فما المظروف فيه؟ المظروف فيه هم الخَلْق، وهم أيضاً لله: {وَلَهُ مَن فِي السماوات والأرض...} [الأنبياء: 19] وإنْ كان من الخَلْق مَنْ ميَّزه الله بالاختيار يؤمن أو يكفر، يطيع أو يعصي، فإنْ كان مختاراً في أمور التكليف فهو مقهورة: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا...} [الأحزاب: 72].
فاختارت التسخير على الاختيار الذي لا طاقة لها به.
أما الإنسان فقد دعاه عقله إلى حملها وفضَّل الاختيار، ورأى أنه سيُوجه هذه الأمانة التوجيه السليم {وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب: 72].
فوصفه رَبُّه بأنه كان في هذا العمل ظلوماً جهولاً؛ لأنه لا يدري عاقبة هذا التحمل. فإنْ قلتَ: فما ميزة طاعة السماوات والأرض وهي مضطرة؟ نقول: هي مضطرة باختيارها، فقد خيَّرها الله فاختارت الاضطرار.
وقوله: {وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ...} [الأنبياء: 19] أي ليسوا أمثالكم يكذبون ويكفرون، بل هم في عبادة دائمة لا تنقطع، والمراد هنا الملائكة؛ لأنهم {لاَّ يَعْصُونَ الله ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
{وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ} [الأنبياء: 19] من حسر: يعني ضَعُفَ وكَلّ وتعب وأصابه الملل والإعياء.
ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك: 4] أي: كليل ضعيف، لا يَقْوي على مواجهة الضوء الشديد كما لو واجهت بعينيك ضوءَ الشمس أو ضوء سيارة مباشر، فإنه يمنعك من الرؤية؛ لأن الضوء الأصل فيه أن نرى به ما لا نراه.
وفي آية أخرى يقول تعالى: {لَّن يَسْتَنكِفَ المسيح أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ وَلاَ الملائكة المقربون...} [النساء: 172] لأن عِزَّهم في هذه المسألة. {يُسَبِّحُونَ الليل...}.


{يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ(20)}
فهؤلاء الملائكة يعبدون الله ويسبحونه، لا يصيبهم ضَعْف، ولا يصيبهم فُتُور، ولا يشعرون بالملل من العبادة والتنزيه له سبحانه: فالملائكة لا تتكبر عن عبادته والخضوع له.
والحق سبحانه يقول: {إِنَّ الذين عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206].
ثم يقول الحق تبارك وتعالى: {أَمِ اتخذوا آلِهَةً..}.


{أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ(21)}
أي: فما لهم أعرضوا عن كل هذه الحقائق؟ ألهم آلهة غيري وأنا خالق السماء والأرض، وهي لي بمَنْ فيها من الإنس والجن والملائك’؟ فالجميع عَبْد لي يُسبِّح بحمدي، فما الذي أعجبهم في غيري فأعرضوا عني، وانصرفوا إليه؟ أهو أحسن مني، أو أقرب إليهم مني؟
كأن الحق تبارك وتعالى يستنكر انصرافهم عن الإله الحق الذي له كل هذا الملك، وله كل هذه الأيادي والنِّعَم.
وقوله تعالى: {هُمْ يُنشِرُونَ} [الأنبياء: 21] أي: لهم قدرة على إحياء الموتى وبَعثْهم. وشيء من هذا كله لم يحدث؛ لأنه: {لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ...}.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10